السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته فريق..
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته فريق..
العمل في لها أون لاين .. تحية طيبة وبعد أرجو إيصال رسالتي للدكتور عبد العزيز بن عبد الله بن صالح المقبل و مشكلتي هي فقط نفسيتي و مزاجي انه يتغير كتغير الطقس فجأة و بسرعة و بدون مبررات ؟؟ من الرضا والسعادة و ربما الحماس ومرورا بالتعاسة و الإحباط إلى الاكتئاب و التفكير بالانتحار .. بدون أن أعرف سبب لحالتي النفسية!! مؤخرا(كمثال فقط).. حضرت حفلا لختمت القرآن في دور تحفيظ فتحمست كثيرا و بكيت و قررت أن أحفظ القرآن كاملا ثم تلاشت هذه الفكرة و الحماس و الإصرار و الدموع مع طلوع شمس اليوم التالي ليحل البرود محله و اللامبالاة .. و هذه ليس أول مره بل سبق وأن سجلت ثم فترت (أي بردت عزيمتي وغيرت رأيي. و هذا ليس فقط مع القرآن الكريم بل مع كل مشروع أخطط له فقد أضعت نصف مالي على دورات لم أكملها! حينما أحاول أن ألزم نفسي و أكون صارمة و أحاسبها أشعر بالانهيار و البكاء و أفكر بطرق الانتحار. أنا لست فاشلة أبدا .. ولكن هذه الحالة التي اعترتني مؤخرا أشعر معها بالضياع فلا أستطيع فعل شيء .. أرجو إيضاح حالتي و علاجها بارك الله فيك و نفعك بعلمك و نفع بك المسلمين
الاجابة :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
الأخت الفاضلة : لين .. السعودية ، وفقها الله .
بنتي الكريمة : راقني - جداً - قولك : ( أنا لست فاشلة أبدا .. ) .. فهو تأكيد ( حقيقي ) رائع .. وإدراك لامتلاكك أرضية ( صالحة خصبة ) لاستنبات أشجار الإنجاز .. وهذا التأكيد يختصر عليّ نصف الطريق ، الذي كان يمكن أن ( أضيعه ) لأثبت لك أنك ( تمتلكين – بالفعل – قدراً غير محدود من القدرات !
بنتي الكريمة : تغيّر المزاج نوعان ؛ أحدهما ( عارض ) يمكن أن يحدث مع كل أحد .. فقد يفاجأ أحدنا حين قيامه من النوم ، أو في ساعة من ساعات يومه ، بعدم استعداده لأي عمل .. وربما شعر بقدر غير قليل من الضيق .. ولكن حين يدرك الإنسان أن هذا أمر يمكن أن يعرض لأي أحد ، ويحاول ( دفع ) نفسه في ( نهر ) الانشغال ، خاصة فيما يرى أنه يريحه ، كممارسة عمل محبب ، أو مهاتفة / مصاحبة صديق ، أو استعراض فيلم مفيد وممتع .. فإن سحب ذلك الضيق لا تلبث أن ترحل ، ليعود الإنسان إلى طبيعيته ، ويستعيد نشاطه من جديد !!
والمشكلة هنا أن بعض الناس عندما تعتريه مثل الحالة السابقة ينزعج كثيراً ، ويعطي الأمر أكبر من حجمه ، فيظل يفكر ما الذي حدث له ، ولم حدث ؟ .. ومن ثم تبدأ ( عملية ) تفكير ( مستمرة ) ، تشبه الدوائر ، التي يحدثها رمي حجر في بركة ، تظل تنداح وتتسع .. ومن الطبيعي أن تغيّرَ المزاج ( العارض ) سيتحول إلى شعور بالضيق ( الدائم ) ! .. بل إن دائرته ( تتسع ) مع كل ( حلقة ) تفكير !! .. وهو يشبه حكاية الرجل الذي شكا لطبيب نفسي ما يلقاه من القلق ، وحين سأله الطبيب : عن سبب القلق .. قال : إنه الصلع الذي يعاني منه .. وحين سأله : وما سبب الصلع ؟ أجاب : إنه القلق !!
والنوع الثاني : هو ما يصيب بعض الأشخاص ، الذين يدركون أنهم يمتلكون قدراً جيداً من القدرات والطاقات والمهارات ، ويغريهم ذاك بأن يحققوا نجاحات على مختلف الأصعدة ، ولا يرضون بالتحقيق ( البطيء ) ، ولا بالقامة ( الواطئة ) .. وهؤلاء يؤتون من ثلاثة طرق :
الأول : الاستعجال ؛ فالإنسان حين يمضي بعض الوقت ، ولا يرى أنه حقق ما صورت له نفسه أنه سيحققه ، رجع عليها باللوم الشديد ، واتهم نفسه بالكسل ، وربما البلادة !
الثاني : أن الإنسان ، في صورته السابقة ، يظل يضغط على نفسه ، ويسد عليها المنافذ ، ويدفعها إلى الطريق بعنف ، فتحسر وتكسل .. لأن صاحبها حملها – بحماسه – فوق طاقتها . والمشكلة أن صاحبها حينئذ لا يراجع نفسه ، ويدرك الخلل ، ومن ثم يصحح المسار .. ولكنه يمعن في اللوم ، ويصاب باليأس والإحباط ، والشعور السلبي بأن قدراته محدودة وبسيطة !
ويحسن في هذا الموطن أن أورد خبراً طريفاً ، له دلالته ، لعمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، مع حرصه الشديد على الخير ، واستثمار الوقت بكل لحظاته .. فقد روي أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز دخل على أبيه عمر، وهو ينام نومة الضحى، فقال: يا أبت، أتنام وأصحاب الحوائج راكدون ببابك؟ قال: يا بني، إن نفسي مطيتي، فإن أنضيتها قطعتها، ومن قطع المطي لم يبلغ الغاية.
الثالث : أن الله خلق الناس متفاوتين ، وهيأ لكل إنسان من الأمور ما يناسبه .. وحين يأخذ الحماس إنساناً لسلوك طريق لم يهيأ له ، فإنه ، ولو كان ذكياً ، قد لا يمضي فيه ، ولو قسر نفسه قد لا يحقق ولا بعض ما يصبو إليه منه .. لا لأنه عاجز أو بليد ، لكن لأن حكمة الله اقتضت أن تتوزع المهارات والقدرات بين الخلق ، بنسب متفاوتة .
بنتي الكريمة : وإذا كنت موقناً أنك لم تخرجي عن واحدة من هذه الدوائر ، التي أشرت إليها ، فيخيّل إلى أن هناك أمراً ( خفيّاً ) ، يزيد معه ضيقك ، ويشتد معه حصارك النفسي .. وهو موضوع الضيق من تأخر زواجك !!
وهذه ليست مشكلتك وحدك ، ولكنها مشكلة الكثيرات .. ولكنك تصبحين معها ومع ما سبق كأنك تعيشين حرباً ( ضروساً ) من المشاعر المتضاربة ؛ فمرة تحنقين لم لم تحققي مستوى في طريق طلب العلم .. فتركضين إلى الالتحاق بحلقات العلم ركضاً ، وكأنك تريدين ( تعويض ) ما فات ولو بإسراع الخطوات !!
وحين يمضي الوقت ، وقد تكونين تحبين ( اختصار ) الأمور ، أو تكونين ملولة ، أو لم تخلقي لطلب العلم ، مع ما لديك من القدرات والإمكانات .. ربما وثب إلى ذهنك لم لا آخذ – أولاً – دورات بـ( تقوية ) الذاكرة ، فأركض إلى حيث الدورة ، ولكني حين ألتحق .. يلفت نظري عدد من عنوانات الدورات التي أحار فيما أختاره منها .. فأدع ما جئت من أجله بعد أن أمضي نصف المشوار أو ربعه ، لألتحق بدورة أخرى ، وهكذا .. يمضي وقتي لهاثاً ، دون تحقيق شيء يذكر .. وهنا أعض على شفتي قائلة : آاااه .. لو كنت استمررت في طلب العلم لحصلت ما حصل غيري !! وهنا تأكلين نفسك باللوم ، وتجلدينها بسياط الأسى .. هل تعجبين – بعد ذلك – أن تشعري بالضيق ؟!!.. وربما اشتد ضيقك ، وأنت تشعرين ألا زواج ، ولا تحقيق أمر أشعر معه بذاتي !!
بنتي الكريمة : اجلسي مع نفسك ، وأعيدي حساباتك ، ولتدركي أن عدم تحقيقك ما ترجينه ، ليس راجعاً لقصور في تفكيرك ، أو نقص في ذكائك ، ولكنه لضعف التخطيط ، وقبله لعدم تحديد الأهداف .
وبالنسبة للزواج ، فليتك – دائماً – تضعين أمامك قوله تعالى : ( وعسى أن تكرهوا شيئاً ، وهو خير لكم ) .. ولتدركي – جيداً – أن أقدار الله كلها خير ، وأن تأخرك قد يكون لأن الله قدر لك الارتباط بشخص غاية في المناسبة ، لكن ظروفه أخرته بعض الوقت ، وسيصل بإذن الله .. خاصة وأنك تدركين أن الزواج لون من الرزق ، الذي تكفل الله لك به .. ودورك هو أن تسألي الله التوفيق ، وتكثري من الاستغفار ، وترفعي كفيك بالدعاء .
وهذه هي الأعمال الفعلية الحقيقة ، التي سترفع عنك غطاء الضيق والضجر ..
ومع تمنياتي لك بكل توفيق آمل موافاتي بما يجد .
شرح الله صدرك ، ويسر أمرك ، ورفع قدرك